[b]إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ ،
الحَمْدُ للهِ القائلِ فِي كتابِهِ : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
ورسولُهُ القائلُ :« مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ
إنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى جعلَ الدنيَا دارَ ابتلاءٍ وامتحانٍ للإنسانِ ليُحسنَ فيهَا العملَ
فالمؤمنُ يدركُ أنه خُلِقَ فِي هذهِ الدنيَا ليعملَ صالِحًا ، وأنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللهِ تباركَ وتعالَى ، وقدْ أوصانَا حبيبُنَا المصطفَى بوصيةٍ عظيمةٍ فَقَالَ كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ .
مَا مِنْ يومٍ يَمرُّ علَى الناسِ فِي هذهِ الدنيَا إلاَّ وتجدُ أحوالَهُمْ تتقلبُ فيهَا، فالدنيَا لاَ تخلُو مِنْ صفاءٍ وكدَرٍ، ويُسْرٍ وعُسْرٍ، وأفراحٍ وأحزانٍ، وفِي كلِّ يومٍ يولدُ أناسٌ ويموتُ آخرونَ، ويربحُ أناسٌ ويخسرُ آخرونَ، فهذَا يضحكُ ، وذاكَ يبكِي ، وهذَا سعيدٌ ، وذاكَ حزينٌ، فهذهِ هيَ الدنيَا ، وهذهِ هيَ حقيقتُهَا، فكيفَ يتعاملُ معَهَا المسلمُ ؟
فأولُ مَا يجبُ علينَا :
الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ ، فالسعيدُ مَنْ عرفَ الدنيَا حقَّ المعرفةِ ورضِيَ بِمَا يصيبُهُ فيهَا مؤمنًا بقضاءِ اللهِ وقدرِهِ، يعلمُ أنهُ لاَ يصيبُهُ إلاَّ مَا قدْ كتبَهُ ربُّهُ عليهِ مِنْ خيرٍ أوْ شرٍّ، قالَ تعالَى : قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ0
فإذَا قدَّرَ اللهُ تباركَ وتعالَى أمرًا علَى عبادِهِ فإنهُ واقعٌ لاَ محالةَ ، يقولُ رَسُولُ اللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ0
ومِمَّا يجبُ علينَا كذلكَ : الشكرُ فِي السراءِ ، والصبرُ فِي الضراءِ، فالمؤمنُ إذَا تعاقبَتْ عليهِ الأيامُ بِمَا فيهَا مِنْ خيرٍ أوْ شرٍّ لاَ تراهُ إلاَّ شاكرًا فِي السراءِ صابراً فِي الضراءِ ، فيكونُ مأجورًا فِي جميعِ أحوالِهِ ، ويتحققُ لهُ الخيرُ ، يقولُ رَسُولُ اللَّهِ عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ 0
ففِي الرخاء يُكثِرُ مِنْ حمْدِ اللهِ وشكرِهِ ، وعندَ البلاءِ يصبرُ معَ مَا فِي المصيبةِ مِنْ مفاجأةٍ وروعةٍ تَهزُّ القلوبَ إلاَّ أنهُ مؤمنٌ لاَ يسخطُ ولاَ يجزعُ ولاَ يقولُ إلاَّ مَا يُرضِي اللهَ تباركَ وتعالَى ، فعندمَا مَرَّ النَّبِىُّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى ». قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّى ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِى، وَلَمْ تَعْرِفْهُ . فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِىُّ . فَأَتَتْ بَابَ النَّبِىِّ ... فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ . فَقَالَ :« إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى 0
فمَنْ صبرَ واحتسبَ كانَ لهُ الأجرُ العظيمُ ، ففِي الحديثِ القدسيِّ
عنْ ربِّ العزةِ تباركَ وتعالَى إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِى ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِى؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ . فَيَقُولُ اللَّهُ : ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ 0
والمسلمُ لاَ يغفَلُ عَنِ التضرعِ إلَى اللهِ تعالَى بالدعاءِ، فترَاهُ يلجأُ إلَى ربِّه تباركَ وتعالَى عندَ نزولِ البلاءِ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ « مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِى فِى مُصِيبَتِى وَأَخْلِفْ لِى خَيْراً مِنْهَا إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِى مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا 0
وفِي حديثِ الثلاثةِ الذينَ آواهُمُ المبيتُ إلَى الغارِ ، فمَا كانَ منهُمْ إلاَّ أنْ تضرعُوا إلَى اللهِ تعالَى بالدعاءِ ففرَّجَ اللهُ سبحانهُ عنهُمْ مَا كانُوا فيهِ .
والبلاءُ قدْ يقعُ علَى الصغيرِ أوِ الكبيرِ ، وقدْ يقعُ علَى الرجلِ أوِ المرأةِ ،
أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ العظيم لِي ولكُمْ وللمسلمِينَ.