روى عن "ابن أمامة الباهلي" أن "
ثعلبة بن حاطب" قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً، قال (يا ثعلبه قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه) قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً قال (يا
ثعلبة املك في أسوه أما ترضى أن تكون مثل نبي الله تعالى؟ والذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبًا وفضةً لسارتْ) قال والذي بعثك بالحق نبيًا لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقَّه ولأفعلن ولأفعلن .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم ارزق "
ثعلبة" مالاً) فأتخذ غنمًا فنمَتْ كما ينموا الدود فضاقت عليه المدينة فتنحّىٰ عنها فنزل واديًا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في الجماعة ويدع ما سواهما ثم نمت وكثُرت فتنحّىٰ حتى ترك الجماعة إلا الجمعة وهي تنمو كما ينمو الدود، وطفق يلقىٰ الركبان يوم الجعمة فيسألهم عن الأخبار في المدينة .
وسأل رسول الله – عليه الصلاة والسلام – عنه فقال (ما فعل "
ثعلبة بن حاطب"؟) فقيل يا رسول الله اتخذ غنمًا فضاقت عليه المدينة وأخبر بأمره كله فقال (يا ويح "
ثعلبة" يا ويح "ثعلبة" يا ويح "ثعلبة") وقال وأنزل الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيْهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) سورة "التوبة" آية "103"
وأنزل الله فرائضَ الصدقة؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من جهينة ورجلاً من بني سليم على الصدقة وكتب لهم بأخذ الصدقة وأمرهما أن يخرجا فيأخذا من المسلمين، وقال (مرا ب
ثعلبة بن حاطب وبفلان رجل من بني سليم خذا صدقاتهما)
فخرجا حتى أتيا "ثعلبة" فسألاه الصدقة وأقرءَاْهُ كتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا جزية، ما هذه، إلا أخت الجزية! انطلقا حتى تفرّغا ثم تعودا إلى فانطلقا نحو السليمي فسمع بهما فقام إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما رأوها قالوا: لا يجب عليك ذلك وما نريد نأخذ هذا منك قال: بلىٰ خذوها، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرّا بثعلبه فسألاه الصدقة
فقال: أروني كتابكم فنظر فيه فقال: هذه أخت الجزية، انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا النبي – عليه الصلاة والسلام – فلما رآهما قال (يا ويح
ثعلبة) قبل إن يكلماه ودعا للسليمي بأخبراه بالذي صنع ثعلبة وبالذي صنع السليمي
فأنزل الله في ثعلبة (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَـٰـنَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصـٰـلِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) سورة "التوبة" الآيات "75-77" وعند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجل من أقارب ثعلبة فسمع ما أنزل الله فيه فخرج حتى أتي ثعلبة فقال: لا أم لك يا "ثعلبة"
قد أنزل الله فيك كذا فخرج
ثعلبة حتى أتي النبي – عليه الصلاة والسلام – فسأله أن يقبل منه صدقتَه فقال (إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك) .
فجعل يحثو التراب على رأسه فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (هذا عملك أمرتك فلم تطعيني) فلما أبىٰ أن يقبل منه شيئًا رجع إلى منزله فلمّا قُبِضَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم
جاء بها إلى "أبي بكر الصديق" – رضي الله عنه – فأبىٰ أن يقبلها منه،
وجاء بها إلى "عمر بن الخطاب" – رضي الله عنه – فأبىٰ أن يقبلها وتُوُفِّي
ثعلبة في خلافة "عثمان"
فهذا هو حال ثعلبة قبل أن يغنيه الله من فضله وبعده فأيهما أصلح لدينه؟ حقًا أنه ينطبق عليه الحديث (إن من عبادي لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه) فعندما أغناه الله من فضله تخلّف عن صلاة الجماعة ثم تخلّف عن صلاة الجمعة ثم بخل عن إعطاءه زكاة المال حتى وصل به الحال إلى ما وصل عليه .
اللهم جنبنا الفتن وما ظهر منها .